فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ولوْ تقول عليْنا بعْض الْأقاوِيلِ (44)}
قرئ: {ولوْ تقول} على البناء للمفعول، التقول افتعال القول، لأن فيه تكلفا من المفتعل، وسمى الأقوال المنقولة أقاويل تحقيرا لها، كقولك الأعاجيب والأضاحيك، كأنها جمع أفعولة من القول، والمعنى ولو نسب إلينا قولا لم نقله.
{لأخذْنا مِنْهُ بِالْيمِينِ (45) ثُمّ لقطعْنا مِنْهُ الْوتِين (46)} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
في الآية وجوه الأول: معناه لأخذنا بيده، ثم لضربنا رقبته، وهذا ذكره على سبيل التمثيل بما يفعله الملوك بمن يتكذب عليهم، فإنهم لا يمهلونه، بل يضربون رقبته في الحال، وإنما خص اليمين بالذكر، لأن القتال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يلحقه بالسيف، وهو أشد على المعمول به ذلك العمل لنظره إلى السيف أخذ بيمينه، ومعناه: لأخذنا بيمينه، كماأن قوله: {لقطعْنا مِنْهُ الوتين} لقطعنا وتينه وهذا تفسير بين وهو منقول عن الحسن البصري القول الثاني: أن اليمين بمعنى القوة والقدرة وهو قول الفراء والمبرد والزجاج، وأنشدوا قول الشماخ:
إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين

والمعنى لأخذ منه اليمين، أي سلبنا عنه القوة، والباء على هذا التقدير صلة زائدة، قال ابن قتيبة: وإنما قام اليمين مقام القوة، لأن قوة كل شيء في ميامنه والقول الثالث: قال مقاتل: {لأخذْنا مِنْهُ باليمين} يعني انتقمنا منه بالحق، واليمين على هذا القول بمعنى الحق، كقوله تعالى: {إِنّكُمْ كُنتُمْ تأْتُوننا عنِ اليمين} [الصافات: 28] أي من قبل الحق.
اعلم أن حاصل هذه الوجوه أنه لو نسب إلينا قولا لم نقله لمنعناه عن ذلك إما بواسطة إقامة الحجة فإنا كنا نقيض له من يعارضه فيه، وحينئذ يظهر للناس كذبه فيه، فيكون ذلك إبطالا لدعواه وهدما لكلامه، وإما بأن نسلب عنده القدرة على التكلم بذلك القول، وهذا هو الواجب في حكمة الله تعالى لئلا يشتبه الصادق بالكاذب.
المسألة الثانية:
الوتين هو العرق المتصل من القلب بالرأس الذي إذا قطع مات الحيوان قال أبو زيد: وجمعه الوتن و(يقال) ثلاثة أوتنة والموتون الذي قطع وتينه، قال ابن قتيبة: ولم يرد أنا نقطعه بعينه بل المراد أنه لو كذب لأمتناه، فكان كمن قطع وتينه، ونظيره قوله عليه السلام: «ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع ابهرى» والأبهر عرق يتصل بالقلب، فإذا انقطع مات صاحبه فكأنه قال: هذا أوأن يقتلني السم وحينئذ صرت كمن انقطع أبهره.
{فما مِنْكُمْ مِنْ أحدٍ عنْهُ حاجِزِين (47)}
قال مقاتل والكلبي معناه ليس منكم أحد يحجزنا عن ذلك الفعل، قال الفراء والزجاج: إنما قال حاجزين في صفة أحد لأن أحدا هنا في معنى الجمع، لأنه اسم يقع في النفي العام مستويا فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، ومنه قوله تعالى: {لا نُفرّقُ بيْن أحدٍ مّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285] وقوله: {لسْتُنّ كأحدٍ مّن النساء} [الأحزاب: 32] واعلم أن الخطاب في قوله: {فما مِنكُم} للناس.
واعلم أنه تعالى لما بين أن القرآن تنزيل من الله الحق بواسطة جبريل على محمد الذي من صفته أنه ليس بشاعر ولا كاهن، بين بعد ذلك أن القرآن ما هو؟
{وإِنّهُ لتذْكِرةٌ لِلْمُتّقِين (48)}
وقد بينا في أول سورة البقرة في قوله: {هُدى لّلْمُتّقِين} ما فيه من البحث.
{وإِنّا لنعْلمُ أنّ مِنْكُمْ مُكذِّبِين (49)}
له بسبب حب الدنيا، فكأنه تعالى قال: أما من اتقى حب الدنيا فهو يتذكر بهذا القرآن وينتفع.
وأما من مال إليها فإنه يكذب بهذا القرآن ولا يقربه.
وأقول: للمعتزلة أن يتمسكوا بهذه الآية على أن الكفر ليس من الله، وذلك لأنه وصف القرآن بأنه تذكرة للمتقين، ولم يقل: بأنه إضلال للمكذبين، بل ذلك الضلال نسبه إليهم، فقال: وإنا لنعلم أن منكم مكذبين، ونظيره قوله في سورة النحل: {وعلى الله قصْدُ السبيل ومِنْها جائز} [النحل: 9] واعلم أن الجواب عنه ما تقدم.
{وإِنّهُ لحسْرةٌ على الْكافِرِين (50)}
الضمير في قوله: {إِنّهُ} إلى ماذا يعود؟ فيه وجهان: الأول: أنه عائد إلى القرآن، فكأنه قيل: وإن القرآن لحسرة على الكافرين.
إما يوم القيامة إذا رأوا ثواب المصدقين به، أو في دار الدنيا إذا رأوا دولة المؤمنين والثاني: قال مقاتل: وإن تكذيبهم بالقرآن لحسرة عليهم، ودل عليه قوله: {وإِنّا لنعْلمُ أنّ مِنكُم مُّكذّبِين} [الحاقة: 49].
{وإِنّهُ لحقُّ الْيقِينِ (51)}
معناه أنه حق يقين، أي حق لا بطلان فيه، ويقين لا ريب فيه، ثم أضيف أحد الوصفين إلى الآخر للتأكيد.
{فسبِّحْ بِاسْمِ ربِّك الْعظِيمِ (52)}
إما شكرا على ما جعلك أهلا لإيحائه إليك، وإما تنزيها له عن الرضا بأن ينسب إليه الكاذب من الوحي ما هو بريء عنه.
وأما تفسير قوله: {فسبّحْ باسم ربّك} فمذكور في أول سورة: {سبِّحِ اسم ربّك الأعلى} [الأعلى: 1] وفي تفسير قوله: {بِسْمِ اللّهِ الرحمن الرحيم} والله سبحانه وتعالى أعلم،
وصلاته وسلامه على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ولوْ تقول عليْنا بعْض الأقاويل}
{تقول} أي تكلف وأتى بقول من قِبل نفسه.
وقرئ {ولوْ تُقول} على البناء للمفعول.
{لأخذْنا مِنْهُ باليمين} أي بالقوة والقدرة، أي لأخذناه بالقوّة.
و(من) صلة زائدة.
وعبر عن القوّة والقدرة باليمين لأن قوّة كل شيء في ميامنه، قال القُتبيّ.
وهو معنى قول ابن عباس ومجاهد.
ومنه قول الشماخ:
إذا ما رايةٌ رُفعتْ لِمجْدٍ ** تلقّاها عرابة باليمين

أي بالقوّة.
عرابة اسم رجل من الأنصار من الأوس.
وقال آخر:
ولمّا رأيتُ الشمس أشرق نورُها ** تناولتُ منها حاجتي بيميني

وقال السّديّ والحكم: {باليمين} بالحق.
وقال:
تلقّاها عرابةُ باليمين

أي بالاستحقاق.
وقال الحسن: لقطعنا يده اليمين.
وقيل: المعنى لقبضنا بيمينه عن التصرف؛ قاله نفْطويْه.
وقال أبو جعفر الطبري: إن هذا الكلام خرج مخرج الإذلال على عادة الناس في الأخذ بيد من يعاقب.
كما يقول السلطان لمن يريد هوانه: خذوا يديه.
أي لأمرنا بالأخذ بيده وبالغنا في عقابه.
{ثُمّ لقطعْنا مِنْهُ الوتين} يعني نِياط القلب؛ أي لأهلكناه.
وهو عِرْقٌ يتعلّق به القلب إذا انقطع مات صاحبه؛ قاله ابن عباس وأكثر الناس.
قال:
إذا بلّغْتنِيِ وحملْتِ رحْلِي ** عرابة فاشْرقي بدمِ الوتِين

وقال مجاهد: هو حبل القلب الذي في الظهر وهو النخاع؛ فإذا انقطع بطلت القوى ومات صاحبه.
والموْتون الذي قُطع وتِينه.
وقال محمد بن كعب: إنه القلب ومراقّه وما يليه.
قال الكلبيّ: إنه عرق بين العِلباء والحلقوم.
والعلباء: عصب العنق.
وهما علباوان بينهما ينبت العرق.
وقال عكرمة: إن الوتين إذا قُطع لا ان جاع عرف، ولا إن شبِع عرف.
قوله تعالى: {فما مِنكُمْ مِّنْ أحدٍ عنْهُ حاجِزِين}
(ما) نفي و{أحدٍ} في معنى الجمع، فلذلك نعته بالجمع؛ أي فما منكم قوم يحجزون عنه، كقوله تعالى: {لا نُفرِّقُ بيْن أحدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285] هذا جمع، لأن {بين} لا تقع إلا على اثنين فما زاد.
قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لم تحِلّ الغنائم لأحد سُودِ الرءوس قبلكم» لفظه واحد ومعناه الجمع.
و(من) زائدة.
والحجز: المنع.
و{حاجِزِين} يجوز أن يكون صفة لأحد على المعنى كما ذكرنا؛ فيكون في موضع جرّ.
والخبر {مِنْكُمْ} ويجوز أن يكون منصوبا على أنه خبر و{مِنْكُمْ} مُلْغى، ويكون متعلقا ب {حاجِزِين}.
ولا يمنع الفصل به من انتصاب الخبر في هذا؛ كما لم يمتنع الفصل به في (إن فيك زيدا راغب).
قوله تعالى: {وإِنّهُ} يعني القرآن {لتذْكِرةٌ لِّلْمُتّقِين} أي للخائفين الذين يخشون الله.
ونظيره: {فِيهِ هُدى لِّلْمُتّقِين} على ما بيّناه أوّل سورة البقرة.
وقيل: المراد محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي هو تذكرة ورحمة ونجاة.
قوله تعالى: {وإِنّا لنعْلمُ أنّ مِنكُمْ مُّكذِّبِين}
قال الربيع: بالقرآن.
{وإِنّهُ لحسْرةٌ} يعني التكذيب.
والحسرة: الندامة.
وقيل: أي وإن القرآن لحسرة على الكافرين يوم القيامة إذا رأوا ثواب من آمن به.
وقيل: هي حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحدِّيهم أن يأتوا بسورة مثله.
{وإِنّهُ لحقُّ اليقين} يعني أن القرآن العظيم تنزيل من الله عز وجل؛ فهو لحق اليقين.
وقيل: أي حقّا يقينا ليكونن ذلك حسرة عليهم يوم القيامة.
فعلى هذا {وإِنّهُ لحسْرةٌ} أي لتحسُّر؛ فهو مصدر بمعنى التحسر، فيجوز تذكيره.
وقال ابن عباس: إنما هو كقولك: لعيْن اليقين ومحض اليقين.
ولو كان اليقين نعتا لم يجز أن يضاف إليه؛ كما لا تقول: هذا رجل الظريف.
وقيل: أضافة إلى نفسه لاختلاف اللفظين.
{فسبِّحْ باسم ربِّك العظيم} أي فصلّ لربّك؛ قاله ابن عباس.
وقيل: أي نزه الله عن السوء والنقائص. اهـ.